Translate

الجمعة، 12 أغسطس 2022

كيف تميز بين الحق والباطل لمهندس/ ياسر فكري أبوالحسن

 

الحق هو هو الثبات في

1.التشريع

2. في مقاصد الاله ومراده من الخلق

3.هو ضد اللعب وضد العبث وضد الباطل

4.والحق ضد اللهو في كل أمر من أمور الله تعالي

كيف تميز بين الحق والباطل

الخلاف بين الناس أمر طبيعي وله أسباب عديدة، والخلاف يكون إما بين أهل الحق وإما بين أهل الباطل وإما بين أهل الحق وأهل الباطل. 

=والخلاف بين أهل الحق له ضوابط وأحكام يلتزم بها عادة المختلفون لما يتمتع به أهل الحق من مبادئ وأخلاق. 

= والخلاف بين أهل الباطل لا ضوابط له  ولا قواعد بل تنهار فيه كل القيم والأخلاق. 

 

=والخلاف بين أهل الحق والباطل له ضوابط وأحكام من طرف أهل الحق وليس له أس قيم أو ضوابط من طرف أهل الباطل.

وكان لابد من تبيين بعض ما يتعلق بالحق والباطل قبل استكمال الكلام عن الخلاف بينهما. أشهر ما عرف عن الحق في كتاب الله عز وجل هو في صورة العصر "وَٱلْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ ٱلْإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ ﴿٣﴾". ولكن ما هو الحق؟ الحق في اللغة هو الشئ الثابت الذي لا يتغير، وذكر الحق في كتاب الله عز وجل ما يقرب من مائتي مرة، ولم يخرج معنى الحق عن شيئين، أولهما الله عز وجل كما في قوله "ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلْبَـٰطِلُ" وثانيهما كل ما أتى في الوحي من تشريع أو غيب كما في قوله "وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ هُوَ ٱلْحَقُ".

والمراد من هذا الحق هو أن يسير المسلم في هذه الدنيا في النور ويبعد  عن الظلمات كما في قوله "هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ" وكما في قوله "أَوَمَن كَانَ مَيْتًۭا فَأَحْيَيْنَـٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُۥ نُورًۭا يَمْشِى بِهِۦ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍۢ مِّنْهَا ۚ".

وللتمييز بين الحق والباطل لابد من توضيح الأسباب التي بأخذها يفرق الإنسان بين الحق والباطل. أول سبب هو التقوى والخوف من الله عز وجل فالمؤمن يرى بنور الله وبقدر تقواه بقدر ما استطاع التفرقة بين الحق والباطل، فيتبع الحق ويجتنب الباطل، وهذا في قوله عز وجل "يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًۭا " ولذلك تجد الكثير من الناس في زماننا هذا لقلة تقواهم يميلون لأهل الباطل ويسيرون خلفهم بل قد يزيد بهم الأمر فيحبونهم من دون الصالحين، وهذا أمر في غاية الخطورة على المسلم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحب يوم القيامة"، فبحبه لأهل الحق يلحق بهم في الجنة وإن لم يعمل بعملهم لتقصير أو شهوة، وبحبه لأهل الضلال يلحق بهم في النار وإن خالفهم في عملهم.

والعجيب أن كثيرا من بني آدم يكون رد فعلهم تجاه الحق كما في قوله "لَقَدْ جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَـٰرِهُونَ" بل تمادى بعضهم فقالوا "ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةًۭ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍۢ" ولكن الله الرحمن الرحيم الغفور الودود رد عليهم بقوله "وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"، فانظر إلى هؤلاء يكرهون الحق لدرجة أنهم يحبون الهلاك على أن يلتزموا الحق. وتارة تجد أهل الباطل يلبسون الحق عباءة الباطل ويلبسون الباطل عباءة الحق أو يتمادون فيكتمون الحق ولا يذكرونه كما في قوله "يَـٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"، وتارة يتهددون أهل الحق بالقتل والنفي كما في قوله "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ" بل يتعدى التهديد إلى الفعل فقد قتل أنبياء عدة بأيدي أهل الباطل، وهذه هي اللغة السائدة من أهل الباطل تجاه أهل الحق وهي التعذيب والقتل والنفي والسجن. وتارة يلبسون عباءة الحق بادعاء أن الحق هو ما هم عليه بتمسكهم بما أنزل الله من شرائع سابقة فيفضحهم الله في ادعائهم فيقول " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُوا۟ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقًۭا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" أي لماذا قتلتم الأنبياء الذين تدعون أنكم تتبعونهم؟ ويفضحهم مرة أخرى فيقول " وَدَّ كَثِيرٌۭ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًۭا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ"، ولكن على الرغم من فضحهم إلا أن الله يوصي المؤمنين فيقول " فَٱعْفُوا۟ وَٱصْفَحُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ". والعجيب أن الله يعرض الحق على الناس فيؤمن بعضهم ويكفر بعضهم أو يهتدي البعض ويضل البعض بنفس الكلام وبنفس الدعوة وهذا نجده في قوله " إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسْتَحْىِۦٓ أَن يَضْرِبَ مَثَلًۭا مَّا بَعُوضَةًۭ فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلًۭا ۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرًۭا وَيَهْدِى بِهِۦ كَثِيرًۭا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلْفَـٰسِقِينَ" فالإرسال واحد ولكن المشكلة في المستقبل لهذا الإرسال فيؤدي إلى ضلال ناس وهداية آخرين. فاحرص على أن تكون من المقبلين على الحق لتستفيد منه. وهنا أمر طريف لأهل العلم عندما يستمعون لمن هو أقل منهم علما أو فهما، فإذا توجهوا إلى الله ليفيدهم من علم هؤلاء الأقل منهم لأفادهم الله ولكن غالبا ما يهوى الإنسان أن يتعلم ممن يفضله فتجده يغلق هذا الباب الذي استفاد منه موسى عليه السلام عندما تعلم من الخضر وتعلمنا نحن المسلمين منه أيضا.

وقد بين المولى عز وجل حال الناس من قبل فقال "كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةًۭ وَ‌ٰحِدَةًۭ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّۦنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ ۚ" وبين أن الكتاب لم ينزل بالحق ليمحو فوارق الاستعدادات والمواهب والطرائق والوسائل . إنما جاء ليحتكم الناس إليه . . وإليه وحده . . حين يختلفون . .

"وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ "  فالبغي . . بغي الحسد . وبغي الطمع . وبغي الحرص . وبغي الهوى . . هو الذي قاد الناس إلى المضي في الاختلاف على أصل التصور والمنهج، والمضي في التفرق واللجاج والعناد "فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لِمَا ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَ‌ٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍ" هداهم بما في نفوسهم من صفاء , وبما في أرواحهم من تجرد , وبما في قلوبهم من رغبة في الوصول إلى الحق، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم هو هذا الصراط الذي يكشف عنه ذلك الكتاب . وهو هذا المنهج الذي يقوم على الحق ويستقيم على الحق . ولا تتقاذفه الأهواء والشهوات , ولا تتلاعب به الرغائب والنزوات . . والله يختار من عباده لهذا الصراط المستقيم من يشاء , ممن يعلم منهم الاستعداد للهدى والاستقامة على الصراط، أولئك يدخلون في السلم , وأولئك هم الأعلون , ولو حسب الذين لا يزنون بميزان الله أنهم محرومون , ولو سخروا منهم كما يسخر الكافرون من المؤمنين !

ونضرب مثلا يتضح به الحق من الباطل. فبعض الناس يريدون أن يقنعونا أن الرقص والتمثيل المبتذل هو حق لا شئ فيه من الباطل، ولهؤلاء أقول دعونا نتصور مريم ابنت عمران عليها السلام وهي ترتدي بدلة رقص أو آسيا إمرأة فرعون رحمها الله وهي مرتمية في أحضان رجل لا يحل لها، هل يمكن أن تتصور هاتين الصورتين يا صاحب الحق؟ قطعا لا! وهل تتصور النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتمايل طربا لسماعه أغنية عن العشق؟ قطعا لا! وهل تتصور عمر بن الخطاب وهو يزج بالناس ليقتلوا ليرتفع اسمه بين الناس ويشتهر كما يفعل بعض السياسيين؟ قطعا لا! ولكن أهل الباطل لا يرون شيئا في ذلك، وذلك تجده في قوله " سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَـٰتِىَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْا۟ كُلَّ ءَايَةٍۢ لَّا يُؤْمِنُوا۟ بِهَا وَإِن يَرَوْا۟ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًۭا وَإِن يَرَوْا۟ سَبِيلَ ٱلْغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًۭا ۚ ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَـٰتِنَا وَكَانُوا۟ عَنْهَا غَـٰفِلِينَ"، والعلة في ذلك أنهم كذبوا بآيات الله وكانوا عنها غافلين، وكذلك كل من اتصف بهاتين الصفتين لحق بأهل الباطل مع اتصافه بصفة الكبر التي أهلكت كل من اتصف بها. وبين سبحانه وتعالى خطورة الاتباع فقال "ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱتَّبَعُوا۟ ٱلْبَـٰطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّبَعُوا۟ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ "، فلا تتبع أهل الباطل ولا تنخدع بحججهم الباطلة المضللة.

 

وكان أول الصراع كما حكى لنا القرآن الكريم بين آدم وإبليس حين رفض إبليس السجود لآدم وتكبر وعصى المولى عز وجل. ولم يترك إبليس ذرية آدم حتى أوقع ابن آدم في جريمة القتل فكان أول من ابتدعها وكان في حقه ما قال صلى الله عليه وسلم "لا تُقْتَلُ نفسٌ إلا كان على ابنِ آدمَ الأولَ كِفْلٌ منها" وكذلك كل من ضلل إنسانا أوأغواه للسير في طريق الضلال احتمل من أوزار من أضلهم كما في قوله صلى الله عليه وسلم "ومَن سنَّ سنةً سيئةً فعليه إثمُها حتى تتركَ"

ثم سارت الدنيا دهورا من الزمن على التوحيد حتى بدأ الشرك يظهر في الناس فأرسل الله سبحانه وتعالى نوحا عليه السلام فكذبوه ووصفوه بالمجنون وسخروا منه، ولم يكن ذلك سلوك قوم نوح فقط بل كل الأقوام التي تلته إلى قوم محمد صلى الله عليه وسلم وبين الله حالهم فقال " كَذَ‌ٰلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا۟ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴿٥٢﴾ أَتَوَاصَوْا۟ بِهِۦ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌۭ طَاغُونَ" وتساءل المولى عن هذا الإصرار من أهل الباطل على السخرية من أهل الحق ووصفهم بأوصاف هم منها براء، فما عرفوا الرسل في أقوامهم إلا بالصدق وليس ما يقولون بكلام يصدر عن أشد الناس عقلا فكيف يصدر عن مجانين ولو كانوا سحرة لسحروا من يقفون ضدهم من أهل الباطل فكيف يسحرون بعض الناس ولا يستطيعون سحر الآخرين. ومع إصرار أهل الباطل على باطلهم ورفضهم الحق أهلكهم الله فقال " فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنۢبِهِۦ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًۭا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"

ويتعمد أهل الباطل الانتقاص من أهل الحق بأن أضافوا إلى حربهم على المصلحين سؤالا هاما هو "أين الإنجازات؟"، فقالوا في الكتاب العزيز " وَقَالُوا۟ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَ‌ٰلًۭا وَأَوْلَـٰدًۭا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ" ولهؤلاء نقول دعونا نتأمل قصص الأنبياء، " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًۭا  "  وكانت نتيجة هذا الجهد " وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٌۭ " فعلى الرغم من طول مدة الدعوة إلا أن النتيجة ضعيفة جدا والثمرة لا تكاد ترى، ولكن هل فشل نوح عليه السلام؟ كلا، بل أدى ما عليه وبقي ما على الناس من الاستجابة لدعوة الخير، فالمجتمع لا يقوم بفرد ولكن يقوم بأفراده جميعا، قال عز وجل واصفا جهد نوح عليه السلام " قَالَ رَبِّ إِنِّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلًۭا وَنَهَارًۭا ﴿٥﴾فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآءِىٓ إِلَّا فِرَارًۭا ﴿٦﴾ وَإِنِّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوٓا۟ أَصَـٰبِعَهُمْ فِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْا۟ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا۟ وَٱسْتَكْبَرُوا۟ ٱسْتِكْبَارًۭا ﴿٧﴾ ثُمَّ إِنِّى دَعَوْتُهُمْ جِهَارًۭا ﴿٨﴾ ثُمَّ إِنِّىٓ أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًۭا ﴿٩﴾" فاجتهد كل الجهد ولكن الذين استجابوا له كانوا قليلين. وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته في مكة لم يؤمن معه إلا القليل وذلك لكثرة المعوقات ومنها تعذيب المؤمنين وقتلهم واغتصاب أموالهم ومحاصرتهم اقتصاديا واجتماعيا كما حدث في شعب أبي طالب، ولكن عندما هاجر إلى المدينة وقامت الدولة المسلمة وأمن الناس على أنفسهم وأموالهم ورأى غير المسلمين ما في المجتمع المسلم من قيم وأخلاق دخل الناس في دين الله أفواجا. فلابد لتقييم الإنسان أن نرى مجهوده ونرى العوائق كذلك. و لذلك شاهد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال " عرضت علي الأنبياء الليلة بأممها فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة والنبي ومعه العصابة والنبي ومعه النفر والنبي وليس معه أحد" فجميعهم أنبياء قد قبل الله جهدهم ورفعهم أعلى المنازل على الرغم من التفاوت الكبير في نتيجة جهدهم.

ولم يقم النبي بإنشاء دولة المؤسسات كيومنا هذا ولكن كان يوزع الدخل من الغنائم والزكاة على المستحقين، وكان يعتمد على الأفراد المتطوعين لخدمة الوطن (منظمات المجتمع المدني) فتارة يحض على الصدقة ليعطي بعض فقراء المسلمين وتارة يحض على شراء بئر لسقيا المسلمين وتارة يحض على تسليح جيش المسلمين، وهكذا...

وقد أحسن صلى الله عليه وسلم لمعارضيه وخاصة المنافقين فلم يفضحهم بل وضع أسماءهم مع حذيفة ورد عمر عن قتل رأس المنافقين حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه بل وصفح عنه، قال سعدُ بنُ عُبادةَ : يا رسولَ اللهِ، اعفُ عنه ، واصفَحْ عنه ، فوالذي أنزَلَ عليك الكتابَ ، لقد جاءَ اللهُ بالحقِّ الذي أنزَلَ عليك، ولقد اصطَلَحَ أهلُ هذه البُحْيَرَةِ على أن يُتَوِّجُوه فيُعَصِّبُوه بالعِصابةِ ، فلما أبي اللهُ ذلك بالحقِّ الذي أعطاك اللهُ شرَّقَ بذلك ، فذلك فعَل به ما رأيتَ . فعفا عنه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. بل كان حريصا على الكفار الذين حاربوه وأرادوا الإجهاز عليه وعلى الدعوة مثل عمرو بن العاص وخالد بن الوليد حنى أسلما قبل فتح مكة أي حاربوه ما يزيد على عشرين سنة وعندما أتوا إليه قبلهم.

وقد أرسى المولى عز وجل قاعدة هامة وهي أن المرء يقوم بالعمل وليس عليه إدراك النتائج فقال " مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلْبَلَـٰغُ ۗ " فالرسول صلى الله عليه وسلم كانت لديه معوقات كثيرة في مكة فكانت النتيجة إسلام بضع عشرات ثم  بعد الهجرة والتمكين دخل الناس في دين الله أفواجا.

 

ونبشر أهل الحق فنقول ما قاله الله سبحانه وتعالى "لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَـٰطِلَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ" وقال أيضا "وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ ۚ إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًۭا" وقال أيضا "بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَـٰطِلِ فَيَدْمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌۭ ۚ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ" 

كتبه مهندس/ ياسر فكري أبوالحسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج1وج2وج3وج4.كتاب الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة النجم الغزي

  ج1وج2وج3وج4. كتاب الكواكب السائرة     بأعيان المئة العاشرة النجم الغزي  الطبقة الأولىفي ذكر من وقعت وفاته من المتعينين من افتتاح سنة...